مدينة روتشستر، ولاية مينسوتا: تحتوي أجسادنا على تراكمات سنوات طويلة من المواد الكيميائية والملوّثات والميكروبات والجسيمات المتواجدة في البيئة المحيطة به، والتي نتعرّض لها يومياً عبر الهواء الذي نتنشّقه والطعام الذي نتناوله والمنتجات التي نلمسها والماء الذي نشربه. ويمكن أن تؤثر هذه العوامل الضارة على جيناتنا أحياناً، وتؤدي بالتالي إلى ظهور الأمراض. لهذه الغاية، يدرس الباحثون في مركز مايو كلينك لنهج الطب الشخصي مدى التعرّض لهذه العوامل البيئية مجتمعةً على مدى حياة الأفراد، ويقارنون الاستجابة البيولوجية لها من فرد إلى آخر.
لطالما ارتبطت العوامل البيئية بأمراض مثل: السرطان، أمراض القلب، أمراض الرئة، أمراض المناعة الذاتية، والسكتة الدماغية. ويظهر البحث أنّ فالعوامل البيئية ترتبط بأكثر من 80% من الأمراض التي تصيب الإنسان وهي من الأسباب التي تؤدي إلى وفاة 1 من بين 6 أفراد حول العالم تقريباً.
ويقول دكتور الطبّ كونستانتينوس لازاريديس، المدير التنفيذي لمركز مايو كلينك لنهج الطب الشخصي والمعيَّن من قبل كارلسون آند نيلسون: "لقد أحرزنا تقدمًا ملحوظاً من حيث تخطيط الجينوم البشري وفهم الدور الذي تلعبه الجينات في الأمراض، لكنّ الخصائص الوراثية مسؤولة فقط عن حوالي 10% إلى 15% من الأمراض. وللإسراع في التوصّل إلى المزيد من الاكتشافات المرتبطة بنهج الطب الشخصي، يتعيّن علينا اليوم التركيز بشكل خاصّ على مدى تعرّض الأفراد للعوامل البيئية المحيطة."
ويُعدّ مدى التعرّض للعوامل البيئية مقياساً موازياً للجينوم (المجموعة الكاملة من الحمض النووي للفرد). ويقول الدكتور لازاريديس إنّ مدى التعرّض لتلك العوامل والجينوم يسيران جنباً إلى جنبٍ. وتهدف الأبحاث التي تجريها مايو كلينك إلى دراسة آثار التعرّض لهذه العوامل طوال الحياة وكيفية تفاعلها مع الجينوم للحفاظ على صحة الإنسان أو جعله عرضة للأمراض.
ويضيف الدكتور لازاريديس قائلاً: "فلنأخذ النباتات على سبيل المثال. فصحتها وطول عمرها لا يتأثران بالضرورة بطبيعتها البيولوجية، بل يعتمدان على نوعية التربة التي تنبت فيها ونظافة الهواء المحيط بها وكمية الكيماويات والمبيدات التي تتعرض لها. كما يعتمد ذلك على مدى تأثير تلك العوامل على الخصائص البيولوجية للنباتات. وينطبق الأمر نفسه على البشر."
ويوضّح الدكتور لازاريديس أنّ تحديد العوامل البيئية التي قد ترتبط بالأمراض يتطلب تحليل البيانات على نطاق واسع واستخدام أساليب الذكاء الاصطناعي للتعلّم العميق، إلى جانب إجراء الدراسات المعقدة التي تشمل عوامل متعددة. وتجمع هذه الدراسات بين نهجين أو أكثر مثل علم الجينوم وهو تخطيط الجينوم، وعلم البروتيوميات ودراسة البروتينات، وعلم الأيض وهو دراسة عمليات التمثيل الغذائي لتحديد الأسباب الكامنة خلف المرض، وعلم ما فوق الجينوم وهو دراسة التغيرات اللاجينية في الحمض النووي، وعلم النسخ الوراثي وهو دراسة جزيئات الحمض النووي الريبوزي.
ويقول الدكتور لازاريديس: "لكل شخص بصمته البيئية الفريدة التي يمكن تحليلها من خلال العلامات الموجودة في الدم والبول واللعاب والشعر وما إلى ذلك. وفي النهاية، نأمل أن نتمكّن من فهم مدى تأثير التعرّض للعوامل البيئية على السمات الجينومية للشخص وبالتالي صحته. وقد نستطيع الوقوف على أسباب إصابة أشخاص وعدم إصابة آخرين بالسرطان ممن يتعرّضون للعوامل الملوّثة نفسها، وتحديد العوامل البيئية التي يتعرّض لها الفرد بشكل محدود والتي تسهم بشكل كبير في ظهور المرض.
ويختتم الدكتور لازاريديس بقوله إنّ فهم مدى التعرّض للعوامل البيئية المحيطة وتأثيرها على صحّة الإنسان سيساعد بالطبع على إحداث تغييرات في نمط حياة الأفراد والتدخلات العلاجية الملائمة وسُبُل الوقاية.
###
نبذة عن مايو كلينك
مايو كلينك هي مؤسسة غير ربحية تلتزم بالابتكار في الممارسات السريرية والتعليم والبحث وتوفير التعاطف والخبرة لكل مَن يحتاج إلى الاستشفاء والرد على استفساراته. لمعرفة المزيد من أخبار مايو كلينك، تفضَّل بزيارة شبكة مايو كلينك الإخبارية.